رسالة في الوقت المناسب








في إحدى المدن الصغيرة، كان هناك معلم يُدعى "سعيد"، رجلٌ في منتصف العمر، محب

 لعمله، يُدرّس في مدرسة ابتدائية منذ أكثر من عشرين عامًا. رغم بساطة حياته، كان يُعرف بين الجميع بطيبته واهتمامه بتلاميذه، لا يعلّمهم فقط القراءة والكتابة، بل يغرس فيهم القيم.

من بين تلاميذه، كان هناك فتى يُدعى "مروان"، طفل هادئ، قليل الكلام، غالبًا ما يجلس في آخر الصف، ودوما يحمل في عينيه حزنًا خفيًا. حاول الأستاذ سعيد مرارًا أن يقترب منه، لكن مروان ظل منغلقًا على نفسه. علاماته كانت ضعيفة، وثقته بنفسه شبه معدومة.

وذات يوم، طلب الأستاذ من كل تلميذ أن يكتب رسالة لنفسه بعد عشر سنوات. رسالة يشجع فيها نفسه، يتحدث فيها عن حلمه، ويعبّر عن ما يتمناه لنفسه مستقبلاً.

بدأ الأطفال يضحكون ويتخيلون أشياء مضحكة أو طموحات كبيرة… إلا مروان. ظل صامتًا، ينظر إلى الورقة وكأن الكلمات لا تجد طريقها.

اقترب منه الأستاذ وهمس له:
"اكتب أي شيء، حتى لو جملة واحدة. تَصوّر فقط أن مروان في المستقبل يحتاج أن يسمع منك الآن."

وبعد تردد طويل، كتب مروان جملة واحدة فقط:

"أنا فخور بك، لأنك لم تستسلم."

مرت الأيام، وانتهت السنة، وانتقل مروان إلى مدرسة أخرى، ولم يره الأستاذ سعيد بعدها.

مرت السنوات، وتقاعد الأستاذ عن التعليم، وبات يقضي أيامه في القراءة والجلوس على شرفة منزله.

وذات صباح، طرق أحدهم بابه.

فتح ليجد شابًا يقف أمامه ببذلة رسمية وابتسامة دافئة، يحمل في يده حقيبة جلدية.
قال الشاب: "هل تذكرني يا أستاذ؟ أنا مروان… تلميذك قبل ١٢ عامًا."

تفاجأ الأستاذ وقال: "مروان؟ يا الله! كم تغيرت! ماذا تفعل الآن؟"

ابتسم مروان وقال:
"أنا محامٍ الآن، وأدير جمعية لدعم الأطفال الذين يعانون من مشاكل في التعليم… وسبب زيارتي اليوم هو أن أقول لك: شكراً. رسالتك غيرت حياتي. لا أتحدث عن الدروس، بل عن تلك اللحظة التي جعلتني أكتب لنفسي. ما كتبته يومها أنقذني كثيرًا لاحقًا، في أيام كنت فيها على وشك الاستسلام… لكنني كنت أعود إلى الجملة: أنا فخور بك، لأنك لم تستسلم."

دمعت عينا الأستاذ، ولم يستطع إلا أن يعانقه.

العبرة:

كلمة بسيطة، نظرة طيبة، أو لحظة اهتمام… قد لا نراها مهمة، لكنها قد تغير حياة إنسان. لا تستهِن بتأثيرك، فربما تكون اليوم مجرد معلّم، صديق، أو عابر سبيل… لكنك في عين شخص آخر، كنت كل شيء.

تعليقات