قصة القاضي الصغير - أهم القصص الجميلة من العصر العباسي


جاءت هذه القصة في العصر العباسي، حيث يحكى أن يوجد تاجر يسمى منصور يقوم ببيع بضاعته ويكسب منها بالحلال، فقد اشتهر هذا التاجر في بلاده العراق، وعلى وجه الخصوص في بغداد بأمانته، وشرفته، وكسبه للمال بالحلال، كما انه تميز بحسن أخلاقه، ومعاملته الحسنة لجميع الزبائن، وطيبته الزائدة..
وفي يوم خرج التاجر من عمله إلى منزله، واستلقى على سريره لينام، فحلم التاجر بحلم غريب، وهو انشقاق الجدار الخاص بالغرفة التي ينام بها، وخرج من الجدار شيخ يتسم بالوقار، وجاء إلى جانب التاجر، وقيل له، سافر إلى بلاد الله سبحانه وتعالى الواسعة، حيث تلقى بها الخير، والرزق، والفرح، والسعادة..
استيقظ التاجر من نومه، وتحدث إلى نفسه، لماذا أذهب إلى مكان غريب، لا أعرفها ولا أعرف أهلها، وقد رزقني الله بالرزق الواسع، والسعادة الكبيرة، والسمعة الطيبة في هذه البلد، فقد حققت النجاح الكبير الذي يتمناه أي شخص..
عاد منصور إلى بيته الليلة التي تليها، وأثناء نومه تكرر نفس الحلم في الليلة السابقة، حيث انشق الجدار، وخرج منه شيخ وقور، وتحدث إليه قائلاً: سافر يا منصور إلى بلاد المولى عز وجل الواسعة، فساعدتك ورزقك مكتوب فيها، وهذا وقد تكرر نفس الحلم في الليلة التي تليها أيضاً..
قام منصور من نومه، وأخذ القرار بسفره إلى البلاد الواسعة كما قال له الشيخ الوقور في المنام، فقام بجمع كل ما يحصل عليه من أموال، وباع كل ما يمتلكه، وقد قام بتجميع 1000 قطعة من الذهب، ووضعها في جرة مناسبة، ثم غطى تلك القطع الذهبية بالزيتون، وأعطاها إلى تاجر معروف بأمانته في بغداد يدعى أبي المحاسن، حتى تكون عنده أمانة حتى يعود منصور، وقد قام أبو المحاسب بسؤاله لمنصور إلى أين هو ذاهب وتارك تجارته وكل النجاح الذي حققه، رد عليه منصور بأنه ذاهب إلى بلاد الله الواسعة، وأنه يريد ترك هذه الأمانة حتى يعود..
وقد وافق أبو المحاسن بترك جرة منصور، وأعطاه مفتاح الغرفة التي سيتم وضع الجرة بها، وقال لمنصور ضع الجرة بالمكان الذي تريده، فقام منصور بفتح الغرفة، ووضع الجرة، ثم سلم المفتاح لأبي المحاسن، وعاد إلى بيته، وأخذ جمل ووضع عليه أمتعة السفر، وأجود وأفخم الأقمشة حتى يقوم ببيعها ببلاد الله الواسعة كما جاء له في المنام..
ذهب منصور إلى دمشق، فأعجبه المناظر الجميلة، والحدائق الرائعة، والشوارع الخلابة، كما أدهشه منازل المدينة، والقصور التي توجد بها، ثم قام منصور ببيع الأقمشة التي أتى بها إلى التجار، فقاموا بشرائها من منصور، وحقق منصور أرباح عالية، ومكسب كبير، ثم قام منصور بشراء بضاعة أخرى وقام ببيعها وكسب منها، … إلخ، وهكذا، حتى توسعت حجم تجارة منصور، وذلك بسبب صدقه وأمانته ونزاهته في تجارته، بالإضافة إلى حسن أخلاقه، ومعاملته الطيبة..
غاب منصور في بلاد الشام لعدة سنوات، وفي يوم من الأيام جلس أبو المحاسن مع زوجته على العشاء، وتناول الزيتون، فتذكر صديقه منصور، فقال لزوجته غاب منصور على جرته سنوات عديدة، ولم يأتي ليطمئن عليها، والزيتون الموجود بالجرة قد يصاب بالتلف، فماذا لو أخذنا من الزيتون الموجود بالجرة، رفضت زوجة أبي المحاسن، وقالت له لا يجوز فعل ذلك، فلو جاء منصور وود الجرة ناقصة؟ فأجاب أبو المحاسن على زوجته بأنه سيقوم برد ثمن الزيتون الذي أخذه..
هذا، وقد رفضت زوجة أبي المحاسن عدة مرات، وقالت له أن الجرة أمانة لا يصح فتحها، وقد أوصى الله سبحانه وتعالى بأن نؤدي الأمانة إلى أصحابها كاملة، ولكن غلب الطمع على أبو المحاسن، ولم ينصت إلى كلام زوجته، وذهب إلى الغرف، وفتح الجرة، فلاحظ ثقل حجمها، فاندهش وقام بتفريغ الجرة، فوجد العديد من القطع الذهبية التي قام بعدها وعلم بأنها ألف قطعة..
ثم قام أبو المحاسن بأخذ جميع القطع الذهبية، وذهب إلى السوق واشترى كمية كبيرة من الزيتون، وقام بوضعها بالجرة بدل من النقود، ووضعها كما هي بالغرفة..
وبعد مرور خمس سنوات من رحيل التاجر منصور عن بلده بغداد، اشتاق إلى بلده، وأهله، حيث كان يعمل بدمشق والشام بكل أمانة وعزم وإخلاص، حتى حقق نجاحاً كبيراً، وعاد إلى بلده بغداد اشتياقاً إليها وإلى أهله وأصدقاءه وإلى أمواله الذي تركها مع صديقه أبي المحاسن..
ذهب التاجر منصور إلى الشيخ أبي المحاسن، وبعد العديد من التحيات، طالب التاجر منصور من صديقه الشيخ أبي المحاسن بأن يرد له الجرة التي تركها على سبيل الأمانة في الغرفة، فأعطى أبو المحاسن المفتاح للشيخ منصور، وقال له: افتح الغرفة وستجد الأمانة كما هي من يوم سفرك..
فرح التاجر منصور وشكر صديقه الشيخ أبو المحاسن، وأخذ الجرة وذهب إلى بيته، وعندما فتحها اندهش لعدم وجود القطع الذهبية بها، وعاد إلى الشيخ أبو المحاسن وقال له: ربما تكون في ضيقة وأخذت القطع الذهبية مؤقتاً، فعند تحسن ظروفك المادية، رد أموالي، فنحن أصدقاء ولا مشكلة من ذلك، إلا أن أبو المحاسن قال للتاجر منصور أنك وضعت عندي زيتون ووضعت الجرة بنفسك في الغرفة، وأخذت الجرة بها الزيتون، فماذا بك، أي نقود تتحدث عنها..
فغضب التاجر منصور وقال لصديقه الشيخ أبو المحاسن، يا صديقي تركت عندك كل ما أملك أمانة، وكان يوم بالجرة 100 قطعة من الذهب، فإذا لم ترد نقودي سأشكيك للقاضي، وإذا لم يرد القاضي حق سأشكيك للخليفة ذاته..
هذا وقد اتجه التاجر منصور إلى القاضي ليشكي صديقه الذي أخذ أمواله، وقد سأل القاضي الشيخ أبو المحاسن هل أخذت النقود أو القطع الذهبية التي كانت موجود بجرة التاجر منصور الذي وضعها أمانة عندك، أقسم أبو المحاسن بأنه لم يأخذ شيء، وأن الجرة كانت تحتوي على زيتون فقط، وأخذها التاجر منصور بعد عودته من السفر، ثم سأل القاضي تاجر منصور هل وضعت قطع ذهبية بالجرة؟ أجاب التاجر منصور لقد وضعت القطع الذهبية تحت الزيتون، ولكني لم أخبر أحد بهذا السر، نظر القاضي إلى التاجر منصور متألم، وقال له، قد حلف أبو المحاسن بأنه لم يأخذ منك سوى زيتون، وقد قولت بنفسك بأن لا أحد غيرك يعلم بسر القطع الذهبية، وهذه غلطتك، لأنه لا يجود أي دليل على ما قولته، ولا استطيع أن أحل الموضوع..
ذهب منصور حزيناً باكياً إلى الخليفة، وحكى له كل ما حدث، وسمع القصة أيضاً من أبي المحاسن، ثم أخذ الخليفة يفكر وقت طويل في كلام كلاً من التاجر منصور، والشيخ أبو المحاسن، وفكر قليلاً، ووجد أن كلام التاجر منصور صحيح، لأن الزيتون يفسد بعد سنتين أو ثلاثة على الأكثر، والتاجر منصور عاد بعد خمس سنوات، والزيتون كما هو لم يفسد، هذا بالإضافة إلى استعانة الخليفة بأهم تجار الزيتون، ليعرف إذا كان الزيتون الموجود بالجرة قديم أم جديد، وقد أجاب تجار الزيتون بأن هذا الزيتون جديد وغير قديم..
وأخيراً، قام الخليفة بإصدار العقوبة على الشيخ أبو المحاسن لخيانته للأمانة، كما قام بإعادة حق التاجر منصور .

تعليقات